وصل الذهب إلى المستوى المنتظر عند 4000 دولار للأونصة ، وهو مستوى يحمل دلالات نفسية ورمزية بالغة الأهمية. هذه الخطوة تمثل تتويج لموجة صعود وزخم قوية بدأت باختراق من نطاق عرضي طويل في مطلع سبتمبر، لتتحول إلى لحظة حاسمة في مسار الأسواق والمعدن الاصفر. فمنذ ذلك الاختراق، ارتفع سعر الذهب بنحو 16%، بينما بقيت محاولات للتصحيح والتراجع محدودة وسريعة الزوال. وقد أثبتت الحركة السعرية أن المراهنة ضد هذا الاتجاه الصاعد مكلف ، إذ ما إن يتراجع السعر حتى يعود المشترون سريعاً ، مما يعزز القناعة بأن الذهب ما زال يتمتع بدعم واسع من فئات مختلفة من المستثمرين.
محاولة بيع الذهب في هذه المرحلة تُعد مخاطرة مرتفعة لسبب بسيط وهي القناعة الراسخة من المشاركين في السوق. فالمؤسسات والبنوك المركزية والمستثمرون الأفراد جميعهم باتوا يتعاملون مع أي تراجع في السعر كفرصة للشراء وليس كإشارة تحذير او إعياء للزخم ونستذكر مستوى 3000 دولار للاوقية والذي كان فقط قبل 6 اشهر فقط على وقع التعريفات الجمركية. هذا السلوك الجماعي خلق دورة ذاتية التعزيز ، حيث يُقابل كل توقف في الزخم بموجة شراء جديدة. وهكذا ، انتقل الذهب من كونه أداة تحوط في أوقات عدم اليقين إلى أن أصبح ما يشبه صفقة القناعة ، الاصل الذي لا يغلى ثمنه ولو ارتفع سعره ، التي تعكس شكوك أعمق في مصداقية السياسات النقدية وتخبطات صناع السايسة المالية.
ما نشهده اليوم ليس ارتفاع مضاربي معزول عن الأساسيات الاقتصادية ، بل نتيجة لتقاطع نادر بين قوى الاقتصاد الكلي. قرار توجه الاحتياطي الفيدرالي بخفض أسعار الفائدة في وقت تظهر فيه مؤشرات نمو متجدد غيّر المعادلة التقليدية بين النمو والتضخم والسياسة النقدية. فبدلاً من استخدام خفض الفائدة كأداة دفاعية لمواجهة التباطؤ ، أصبحت الآن وسيلة استباقية لإدارة السيولة وتوجيه التوقعات ولو ان سوق العمل يظهر بعض التشققات وأيضاً ضعف الدولار الدولار بشكل كبير منذ مطلع العام أمر يشرح جزء من الزخم الداعم للذهب. وفي هذا السياق، لم يعد المستثمرون يختارون بين الأصول الخطرة والذهب ، بل أصبحوا يوازنون بينهما في عالم تتضخم فيه تقييمات الأسهم وترتفع عوائد السندات طويلة الاجل بينما تزداد ضبابية المسار بشأن مخاطر استدامة الديون العامة للاقتصاديات الكبرى مثل امريكا واليابان وغيرها.
البنوك المركزية كانت في طليعة هذا التحول ، إذ واصلت تنويع احتياطاتها بعيداً عن الدولار مما وفر قاعدة طلب مستقرة. في الوقت ذاته ، زادت صناديق السلع وصناديق التحوط الماكرو من تعرضها للذهب كعنصر توازن للمحافظ الاستثمارية. كما تسارع النشاط الاستثماري للأفراد خصوصاً في آسيا، حيث ارتفع الطلب المادي وتزايدت أحجام التداول اكثر واكثر. ونتيجة لذلك ، اتسعت قاعدة المشترين بشكل لا يمكن تغافله وعلى ردار كل المستثمرين تقريباٌ مما أضفى على الموجة الحالية عمقاً واستدامة لافتين.
النقاش في الأسواق يدور بشكل متزايد حول احتمالية تشكل فقاعة في أسواق الأسهم ، مع استمرار المؤشرات الرئيسة في تسجيل مستويات قياسية. وفي خضم هذا الجدل ، برز الذهب كأداة طبيعية للتحوط ضد المبالغة في التقييمات. بالنسبة لمديري المحافظ متعددة الأصول ، لم يعد الذهب خيار تكميلي بل أصبح ضرورة استراتيجية للتنويع، وعنصر يهدف إلى امتصاص الصدمات المحتملة في حال تبددت موجة التفاؤل أو تغيرت التوقعات المستقبلية للاقتصاد.
المنطق بسيط ، عندما تبقى السياسة النقدية ميسرة ، وتظل التقييمات مرتفعة ، تنخفض تكلفة الاحتفاظ بالذهب بينما ترتفع قيمته كخيار تأميني في أوقات التقلب. ومن هذا المنطلق ، يُنظر إلى صعود الذهب ليس كرفض للتفاؤل في تقييمات الاسهم بالضرورة بل كاعتراف بالهشاشة الكامنة في مستقبل الاقتصاد والاستقرار النمو والاسعار متجهين الى 2026.
مستوى 4000 دولار ليس فقط رقم تقريبي سهل يمكن تذكره او طال انتظاره ، بل اختبار لمعنويات السوق الاوسع. من الطبيعي أن نشهد بعض جني الأرباح والتحركات التكتيكية مع محاولة المتعاملين تقييم استدامة الزخم الحالي. وقد يكون التراجع المحدود في المدى القصير خطوة صحية تمهد لاستقرار جديد قبل موجة صعود أخرى.
لكن التاريخ يشير إلى أن الأصول التي تتجاهل التصحيحات المتكررة عادة ما تكون مدعومة بطلب قوي وعميق. المخاطر في المرحلة المقبلة لا تكمن في التقييم بقدر ما تكمن في استعجال المتداولين. فالمراهنة على تراجع الذهب تتعارض مع المنطق الاقتصادي السائد ومع الزخم الفني المسيطر. البيئة العامة ما زالت داعمة بفعل توجهات السياسة النقدية ووجود طلب مؤسسي عالمي مستمر.
في ضوء ذلك ، السؤال الأهم ليس ما إذا كان الذهب سيتمكن من الثبات عند مستوى 4000 آلاف دولار، بل ما إذا كان هذا المستوى سيصبح قاعدة جديدة تنطلق منها المرحلة التالية من الدورة الصاعدة. وبالنسبة للمستثمرين الذين ينتظرون فرصة للدخول ، فإن التراجع المعتدل قد يُنظر إليه كفرصة تموضع بدلاً من إشارة انسحاب.
رسالة الذهب واضحة في عالم تتسع فيه الفجوة بين التقييمات والسياسات ، وتضعف فيه الثقة بالأصول الورقية ، يظل الذهب هو الأصل الذي يجمع بين القيمة الدائمة والدور الحديث في توازن الأسواق.
"لم يتم إعداد المواد المقدمة هنا وفقًا للمتطلبات القانونية المصممة لتعزيز استقلالية البحث الاستثماري، وعلى هذا النحو تعتبر بمثابة وسيلة تسويقية. في حين أنه لا يخضع لأي حظر على التعامل قبل نشر أبحاث الاستثمار، فإننا لن نسعى إلى الاستفادة من أي ميزة قبل توفيرها لعملائنا.
بيبرستون لا توضح أن المواد المقدمة هنا دقيقة أو حديثة أو كاملة ، وبالتالي لا ينبغي الاعتماد عليها على هذا النحو. لا يجب اعتبار المعلومات، سواء من طرف ثالث أم لا، على أنها توصية؛ أو عرض للشراء أو البيع؛ أو التماس عرض لشراء أو بيع أي منتج أو أداة مالية؛ أو للمشاركة في أي استراتيجية تداول معينة. لا يأخذ في الاعتبار الوضع المالي للقراء أو أهداف الاستثمار. ننصح القراء لهذا المحتوى بطلب المشورة الخاصة بهم والإستعانة بخبير مالي. بدون موافقة بيبرستون، لا يُسمح بإعادة إنتاج هذه المعلومات أو إعادة توزيعها.
تداول العقود مقابل الفروقات والعملات الأجنبية محفوف بالمخاطر. أنت لا تملك الأصول الأساسية و ليس لديك أي حقوق عليها. إنها ليست مناسبة للجميع ، وإذا كنت عميلاً محترفًا ، فقد يؤدي ذلك إلى خسارة أكبر من استثمارك الأساسي. الأداء السابق في الأسواق المالية ليس مؤشرا على الأداء المستقبلي. يرجى النظر في المخاطر التي تنطوي عليها، والحصول على مشورة مستقلة وقراءة بيان الإفصاح عن المنتج والوثائق القانونية ذات الصلة (المتاحة على موقعنا على الإنترنت www.pepperstone.com) قبل اتخاذ قرار التداول أو الاستثمار.
هذه المعلومات غير مخصصة للتوزيع / الاستخدام من قبل أي شخص في أي بلد يكون فيه هذا التوزيع / الاستخدام مخالفًا للقوانين المحلية."