بدأ شهر سبتمبر - المتسم بالسلبية تاريخياً - بملامح متوترة في الأسواق العالمية، حيث طفت الى السطح المخاوف المتعلقة بالديون السيادية وعدم اليقين على اتجاهات المستثمرين، بينما صعد الذهب بقوة ليسجل مستوى قياسي جديد فوق حاجز 3500 دولار للأونصة، ليؤكد أنه أصبح بوصلة رئيسية تعكس قلق العالم المالي.
في المقابل، واصلت عوائد السندات ارتفاعها إلى مستويات لم تسجل منذ عقود، فيما بقي الدولار قوي نسبياً، ما جعل المشهد الاستثماري أقرب إلى حالة من التحوّط المزدوج ان صح التعبير، حيث يلجأ المستثمرون في الوقت نفسه إلى الدولار والذهب للتموضع بحث عن الأمان، بينما تتعرض الأصول الأخرى لضغوط متزايدة.
في الولايات المتحدة، لم يكن افتتاح الشهر إيجابي. فقد واصلت البيانات الصناعية إظهار الضعف الى الحياد، مع انكماش القطاع للشهر السادس على التوالي، وهو ما زاد من القلق بشأن افاق النمو الاقتصادي. انعكست هذه الصورة على الأسهم الأمريكية التي أنهت تداولاتها على انخفاض، حيث تراجع مؤشر ستاندرد آند بورز 500 بنحو 0.7%، فيما فقد مؤشر ناسداك ما يقارب 0.8% متأثر بموجة جني أرباح في أسهم التكنولوجيا التي كانت قد قادت الصعود خلال أغسطس. يضاف إلى ذلك أن السيولة كانت نوعا ما ضعيفة بعد عطلة يوم العمال، وهو ما اظهرميل المستثمرين لخفض مراكز المخاطرة قبل صدور تقرير الوظائف غير الزراعية يوم الجمعة، والذي يمثل الحدث الأهم في الأجندة الأمريكية هذا الأسبوع.
في أوروبا، ازدادت الصورة قتامة. المؤشرات الرئيسية سجلت خسائر ، حيث تراجع مؤشر ستوكس 600 بنحو 1.5%، فيما هوى مؤشر داكس الألماني بأكثر من 2% تحت قلق من استدامة أوضاع المالية العامة. العوائد الألمانية طويلة الأجل واصلت الصعود لتصل إلى أعلى مستوياتها منذ 14 عام عند 3.38%. بريطانيا لم تكن أفضل حال، إذ أدت إعادة تشكيل الفريق الاقتصادي في حكومة العمال إلى تزايد القلق في أسواق السندات، مع ارتفاع العوائد وتراجع الجنيه الإسترليني في آن واحد، فيما باتت توقعات زيادة الإنفاق والاقتراض محور أساسي لحركة الأسواق ولو ان النظر الى ذلك يذكر المستثمرين بحلقات اخرى من التوترات المشابهه. فرنسا هي الأخرى تواجه اختبارات سياسية داخلية، مع اقتراب حكومة بايرو من تصويت على الثقة، وهو ما بدوره يعزز مناخ الضبابية في قلب منطقة اليورو.
أما في سوق السلع، أسعار النفط بقيت مستقرة نسبيًا، حيث أغلق خام برنت قرب 69 دولار للبرميل مع ميل صعودي محدود بدعم من المخاطر الجيوسياسية بشأن النفط الروسي واستمرار الطلب الأمريكي على الوقود. غير أن العنوان الرئيسي بلا منازع كان الذهب. المعدن الأصفر واصل صعوده اللافت ليتجاوز حاجز 3500 دولار مسجل قمة عند 3546.99 دولار في التداولات المبكرة للجلسة الاسوية. العوامل المحركة لهذا الصعود متعددة كما هي عاده تحركات المعدن الاصفر. ومنها المخاوف التضخمية التي لا تزال موجوده. وايضا أن الأسواق باتت تسعّر بقناعة احتمال خفض الفائدة من جانب الاحتياطي الفيدرالي في اجتماع سبتمبر. ولا ننسى بيانات الوظائف المنتظرة يوم الجمعة تمثل لحظة مهمه، إذ أن قراءة ضعيفة قد تكرس سيناريو التيسير وتفتح الباب أمام قاعده جديدة للذهب، بينما حتى قراءة قوية قد لا تكون كافية لتبديد المخاوف، ما يجعل الذهب يستمر في موقع الصدارة. رابعها أن الضبابية الجيوسياسية، سواء في ملف الرسوم الجمركية أو في النقاش حول استقلالية الفيدرالي، أضافت وقودًا إضافيًا للطلب على الذهب. بالاضافة الى ذلك ان مخاوف اسواق الدخل الثابت التي ذكرها اعلاه تعلب دور في توجه التدفقات الى المعدن الاصفر.
ما يميز هذه الموجة عن سابقاتها أنها ليست محصورة في مضاربات قصيرة الأجل، بل هناك مشاركة واسعة من صناديق التحوط وصناديق الماكرو وحتى البنوك المركزية التي تواصل تعزيز احتياطياتها من الذهب، وهو ما يضفي ثقل على الاتجاه الحالي.
المشهد السياسي يزاد من تعقيد الأسواق. في الولايات المتحدة، على خلفية محكمة استئناف حكمت بإلغاء شرعية الرسوم الجمركية التي فُرضت، وهو ما يفتح الباب أمام جولة جديدة من الجدل حول مستقبل السياسة التجارية الأمريكية ولكن لا اعتقد ان ذلك سيغير من الصورة الاخيرة لبيئة التعريفات وانما طريقة تطبيقها القانونية. من المثير للاهتمام – بشكل ساخر – تعليقات ترامب بالامس ان سوق الاسهم يحتاج التعريفات!!
النتيجة النهائية أن الأسواق تعيش حالة مزيج معقد. الأسهم متماسكة لكنها تفقد الزخم الذي شهدته الشهر الماضي وبقيادة التكنولوجيا، السندات تتعرض لضغوط عنيفة في الأجل الطويل، العملات تتحرك بشكل يعكس قوة الدولار من جهة واستقرار بعض العملات من جهة أخرى، والسلع تنقسم بين استقرار النفط وصعود الذهب.
الرسالة الأوضح أن الذهب أصبح الأداة المفضلة للتعبير عن القلق العالمي، فبلوغه مستوى 3500 دولار ليس عشوائي بل انعكاس لتوازن جديد بين المخاطر الاقتصادية والسياسية والمالية. ومع اقتراب موعد بيانات الوظائف الأمريكية يوم الجمعة، يبدو أن الذهب سيبقى في موقع القيادة، موجهاً بوصلة الأسواق في الأيام المقبلة.
"لم يتم إعداد المواد المقدمة هنا وفقًا للمتطلبات القانونية المصممة لتعزيز استقلالية البحث الاستثماري، وعلى هذا النحو تعتبر بمثابة وسيلة تسويقية. في حين أنه لا يخضع لأي حظر على التعامل قبل نشر أبحاث الاستثمار، فإننا لن نسعى إلى الاستفادة من أي ميزة قبل توفيرها لعملائنا.
بيبرستون لا توضح أن المواد المقدمة هنا دقيقة أو حديثة أو كاملة ، وبالتالي لا ينبغي الاعتماد عليها على هذا النحو. لا يجب اعتبار المعلومات، سواء من طرف ثالث أم لا، على أنها توصية؛ أو عرض للشراء أو البيع؛ أو التماس عرض لشراء أو بيع أي منتج أو أداة مالية؛ أو للمشاركة في أي استراتيجية تداول معينة. لا يأخذ في الاعتبار الوضع المالي للقراء أو أهداف الاستثمار. ننصح القراء لهذا المحتوى بطلب المشورة الخاصة بهم والإستعانة بخبير مالي. بدون موافقة بيبرستون، لا يُسمح بإعادة إنتاج هذه المعلومات أو إعادة توزيعها.
تداول العقود مقابل الفروقات والعملات الأجنبية محفوف بالمخاطر. أنت لا تملك الأصول الأساسية و ليس لديك أي حقوق عليها. إنها ليست مناسبة للجميع ، وإذا كنت عميلاً محترفًا ، فقد يؤدي ذلك إلى خسارة أكبر من استثمارك الأساسي. الأداء السابق في الأسواق المالية ليس مؤشرا على الأداء المستقبلي. يرجى النظر في المخاطر التي تنطوي عليها، والحصول على مشورة مستقلة وقراءة بيان الإفصاح عن المنتج والوثائق القانونية ذات الصلة (المتاحة على موقعنا على الإنترنت www.pepperstone.com) قبل اتخاذ قرار التداول أو الاستثمار.
هذه المعلومات غير مخصصة للتوزيع / الاستخدام من قبل أي شخص في أي بلد يكون فيه هذا التوزيع / الاستخدام مخالفًا للقوانين المحلية."