انعكاس لقلق عالمي يتعمّق

جلسة متقلبة جديدة حيث واصلت عوائد السندات طويلة الأجل إلى مستويات تاريخية ثم التوازن عند مستويات اقل مع تقدم الجلسة، وتباين أداء الأسهم بين منطقة وأخرى، فيما واصل الذهب الارتفاع بقوة مسجلًا قمة جديدة للأونصة. لكن ما يميز هذه الجلسة لم يكن فقط تحركات السوق، بل أيضا تراكم البيانات الاقتصادية الأمريكية غير المشرقة بالاجابية حيث اظهر قطاع الصناعة يتقلص للشهر السادس على التوالي، فرص العمل تهبط إلى أدنى مستوى في عشرة أشهر، و الفيدرالي يصف إنفاق المستهلكين بأنه مسطح إلى متراجع بفعل ضغوط الأسعار على الأجور. كل ذلك يعزز حالة التشكك من قوة الاقتصاد الأمريكي ويضع السياسة النقدية في موقف معقد.

في الأسهم الأمريكية، تمكن ستاندرد آند بورز SPX من الارتفاع بنحو 0.5%، فيما سجل ناسداك مكاسب مدعوم بارتفاع أسهم ألفابت ب11% بعد حكم قضائي لصالحها في قضية مكافحة الاحتكار وعدم الاجبار على بيع محرك البحث قوقل وفقط مشاركة بعض المعلومات مع المنافسين. غير أن الصورة الأوسع تظل ضاغطة ، بيانات الوظائف الشاغرة لشهر يوليو أظهرت تراجعًا إلى 7.18 مليون وظيفة من 7.36 مليون في يونيو، أي أقل من توقعات الاقتصاديين عند 7.38 مليون. احد عناصر القلق أن الانخفاض جاء من قطاعات غير دورية مثل الرعاية الصحية وتجارة التجزئة والضيافة وهي قطاعات كانت المحرك الأساسي للتوظيف بعد الجائحة والى بداية العام الحالي. تراجع الوظائف في قطاع الرعاية الصحية إلى أدنى مستوى منذ 2021 يُظهر أن الضعف أصبح هيكلي الى حد ملاحظ ولا يبدو مجرد تباطؤ دوري. وفي هذه المفارقة، يرى وول ستريت في الأرقام الضعيفة سبب إضافي لتعزيز رهانات خفض الفائدة في سبتمبر، ما يمنح الأسهم بعض الدعم المؤقت.

أما في أوروبا، فالوضع أكثر قتامة والنغمة العامة كانت ضعيفة في ظل ضغوط العوائد المرتفعة. في آسيا، تراجع مؤشر نيكاي نتيجة عمليات بيع في أسهم المصدرين، بينما خسر هانغ سنغ في هونغ كونغ نحو 0.5% في التداولات الصباحية اليوم. على الرغم من بعض التحسن في أسهم التكنولوجيا الصينية، إلا أن المستثمرين فضلوا الترقب بدلًا من المخاطرة قبيل صدور تقرير الوظائف الأمريكية غير الزراعية يوم الجمعة، الذي أصبح بمثابة المحك الفعلي لاتجاه السياسة النقدية ولكن ايضاً بسبب التوقعات بوضع ضغوط على التداول بالتسهيلات من قبل الحكومة الصينية وذلك للحفاط على نمو مستدام كما تشير بعض المصادر التي قد تسبق التنظيم المرتقب للتسهيلات.

أسواق السندات كانت بؤرة التوتر. في بريطانيا ولو ان التحركات نحو اخر الجلسة حسن من النظرة، حيث ارتفع العائد على السندات الحكومية لأجل 30 عام إلى 5.7%، وهو أعلى مستوى منذ 1998، فيما اختبر العائد على السندات الأمريكية لأجل 30 عام حاجز 5% بعد فتره من اختبار هذا المستوى لم تتعدى شهرين وليغلق عند مستويات اقل حده عند 4.9%. انحدار المنحنى أصبح الأوسع منذ 2021، حيث يسعر المستثمرون في الوقت نفسه خفض قريب للفائدة على الأجل القصير ومخاطر مالية أعمق على الأجل الطويل. هذه التحركات تعكس تحول السرد في معنويات المستثمرين ، من التركيز على التضخم فقط إلى مزيج من مخاطر الدين السيادي وتسييس السياسة النقدية.

في سوق العملات، بقي مؤشر الدولار مستقر نسبياً عند مستويات 98. الجنيه الإسترليني ضعف متأثر باضطرابات سوق السندات البريطانية والى مستويات 1.3433، بينما ارتفع اليورو بشكل طفيف رغم تراجع الأسهم، مدعوم بتدفقات دفاعية داخل المنطقة.

أسواق السلع شهدت انقسام واضح. أسعار النفط تراجعت بقوة، حيث انخفض خام غرب تكساس 2.6% وبرنت 2.4% على انباء اعتزام اوبك بلس الاستمرار في رفع الانتاج في الاجتماع القادم ولو ان هذه المصادر شددت على القرار النهائي سيتخذ في حينه ، ولكن في سوق معروف بردود الفعل المبالغ فيها ، لم يتم تخييب امال متداولي خام برنت.  

أما الذهب فهو نجم هذه البيئة بلا منازع. المعدن الأصفر سجل مستوى قياسي جديد بالقرب من 3580 دولار قبل أن يستقر عند مستويات اقل ومع بيع جانبي طفيف في الجلسة الصباحية بنكة اخذ الارباح. العوامل وراء هذا الصعود متعدده وليس عامل واحد فقط ومنها ان الأسواق باتت شبه متأكدة من خفض للفائدة في سبتمبر ولو ان بيانات التوظيف غدا لها اهميه كبيرة وأن الرسوم الجمركية وانعكاساتها ترفع تكلفة المدخلات وربما ان وقت الالم اصبح اقرب من اي وقت مضى. هذه المعطيات تجعل الذهب أكثر من اداه التحوط التي كان اداوها متميز خلال العامين الاخيره بل ايضا مؤشر على تآكل الثقة الى حد ما في افق الأوضاع الاقتصادية والمالية. اللافت أن التدفقات تتسع لتشمل صناديق ETFs وصناديق الماكرو وحتى البنوك المركزية، ما يعطي الصعود عمق اكثر وهو ما تم رؤيته خلال الايام الماضية.

سياسيًا، المشهد في الولايات المتحدة كان مزدحمًا. جامعة هارفارد ربحت معركة قضائية مهمة ضد إدارة ترامب بعد أن قضت محكمة فيدرالية بأن تجميد أكثر من 2 مليار دولار من تمويل الأبحاث كان غير قانوني وينتهك حرية التعبير. هذا يأتي فقط بعد ان حكمت محكمة اخرى بأن التعريفات الجمركية غير قانونية ، ولو ان هذا قد لا يغير من المحصلة النهائية في تطبيق التعريفات ، الا انه اشارة الى ان ترامب يبدوا انه يخسر معركة قضائية وحده بعد الاخرى. اذا تم بطريقة ما انهاء خدمات القضاة فلا تكن متفاجئ!

الصورة الكلية عبر الأصول توضح أن الأسواق تتحرك على إيقاع مزدوج وهي بيانات اقتصادية ضعيفة تعزز رهانات التيسير النقدي، في حين تثير مخاطر الدين والسياسة قلق أكبر بشأن المستقبل. الذهب أصبح التعبير الأوضح عن هذا التناقض وصعوده المتواصل يعكس انعدام اليقين في السياسات وتزايد الطلب على الأمان.

في البيانات المرتقبة اليوم ، بيانات طلبات البطالة الاسبوعية والمتوعية اعلى بشكل طفيف عند 330 الف وايضا الاهم هو بيانات مشتريات المدراء للشهر الماضي لقطاع الخدمات والمتوقع عند 50.9 اي انه لايزال في منطقة التوسع. ويجدر التذكير بان اليوم اخر جلسة تداول قبل اهم احدات الاسبوع غدا قبل افتتاح الجلسة سيتم الاعلان عن بيانات الوظائف غير الزراعية وذلك ادارة المخاطر مطلب قبل الاحداث المؤثرة.