الجيوسياسة على هرم المعنويات

شهدت الأسواق العالمية خلال جلسة الامس أداء هادئ ، حيث هيمنت الترقبات على حركة الأصول، وسط غياب المحفزات الاقتصادية المباشرة حرفياً. وبينما التزمت البيانات الاقتصادية الصمت، تصدرت اللقاءات الجيوسياسية العناوين الرئيسية من اجتماع الاسكا الى اجتماع البيت الابيض مع القادة الاوروبيين ومن ثم مع القمة الثلاثية المرتقبة. وايضاً ينتظر المستثمرون بشغف ما سيقال في ندوة جاكسون هول المرتقبة، التي ينظر إليها باعتبارها نقطة مهمة في السياسة النقدية وانعكاساتها.
الجيوسياسة تتربع على هرم المعنويات
ركز المستثمرون بشكل رئيسي على التطورات السياسية بعد الاجتماع الطارئ الذي عقده الرئيس الأميركي دونالد ترامب مع نظيره الأوكراني زيلينسكي وعدد من القادة الأوروبيين، وذلك في أعقاب لقائه السابق مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في ألاسكا. ورغم غياب أي اختراق سياسي واضح، فإن مجرد انعقاد الاجتماع ترك انطباع بأن واشنطن تفتح باب لمسار دبلوماسي يهدف إلى خفض التصعيد في الحرب الروسية الأوكرانية وبما الوصول لتسوية لايقاف الحرب.
أسواق الطاقة تفاعلت بشكل محدود ، إذ تراجع خام برنت بشكل محدود وحافظ على مستوى 66 دولار للبرميل. يعود هذا الانخفاض إلى تراجع المخاوف بشأن فرض عقوبات أميركية إضافية على إمدادات روسيا، وخصوصا ما يتعلق بواردات الهند من النفط، ولكن هذا التراجع محدود.
أما الذهب، فقد سجل ارتداد جانبي في مطلع تداولات اليوم من أدنى مستوياته منذ بيانات الوظائف غير الزراعية مطلع الشهر، في حركة تعكس تمسك بالخلفية الصلبة على محفزات الاحتفاظ بالذهب على ابواب عودة دورة التيسير في السياسة النقدية ومخاوف التضخم وايضا مع عودة جزء من تسعير الركود خلال الثلاث ارباع القادمة.
جاكسون هول ، علامة سنوية مرتقبة
في خلفية المشهد، تتجه أنظار الأسواق إلى كلمة رئيس الفيدرالي جيروم باول في جاكسون هول بنهاية هذا الاسبوع، والتي باتت تعتبر لحظة مهمة في تحديد مسار السياسة النقدية الأميركية. تشير العقود الآجلة إلى تسعير الأسواق لاحتمال خفض الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس في سبتمبر بنسبة 84%، انخفاضًا من 98% قبل أسبوع، ما يعكس مزيجًا من التردد بشأن تراجع التضخم ومخاوف من ضعف بيانات سوق العمل للشهر الحالي.
الميل من باول نحو التيسير قد يدعم الأسهم، خصوصًا القطاعات الحساسة للفائدة مثل الشركات الصغيرة والقطاعات الدورية. أما إذا جاءت لهجة باول أقل ليونة من المتوقع، فقد نشهد تصحيح في الأصول ذات الحساسية للمخاطر. لكن المرجح هو الالتزام بتأكيد ان القرار يعتمد على البيانات القادمة وعدم الالتزام مقدماً بخفض محدد خلال القترات القادمة.
في أسواق الأسهم، أظهرت آسيا تفوق ، حيث سجلت مؤشرات اليابان وتايوان مستويات قياسية جديدة، كما لامست الأسهم الصينية كمؤشرعام أعلى مستوياتها منذ عام 2015، مدعومة بتفاؤل حول سياسات التحفيز واحتمالات التهدئة الجيوسياسية. في المقابل، تراجعت الأسهم الأوروبية بهدوء، حيث انخفض مؤشر FTSE 100 وبشكل هامشي، بضغط من قطاعي الطاقة والبنوك، في حين تداولت القطاعات الدفاعية مثل الرعاية الصحية والمرافق والمعادن الثمينة على استقرار.
هدوء نسبي في وول ستريت والتحركات انتقائية
في الولايات المتحدة، أغلقت المؤشرات الثلاثة الرئيسية دون تغيير يُذكر؛ داو جونز تراجع بنحو 0.1%، وستاندرد آند بورز استقر تقريبًا، في حين سجل ناسداك ارتفاع هامشي. لكن وراء هذا السكون الظاهري، كانت هناك تحركات لافتة، حيث تفوق مؤشر الشركات الصغيرة Russell 2000 بارتفاع 0.3%، مدعومًا بارتفاع أسهم الطاقة النظيفة بفعل تفاؤل متعلق بالائتمانات الضريبية. وفي الوقت نفسه، تراجعت أسهم التكنولوجيا بقيادة Meta التي انخفضت بأكثر من 2%، بينما ارتفع سهم UnitedHealth من ادنى المستويات منذ عاما 2020 ، بعد دخول بيركشاير هاثاواي كمستثمر وهو ما تم خلال الفترة الماضية ولكن بشكل هادئ وفقط تم الافصاح عنه بنهاية الاسبوع. الشركة خسرت اكثر من نصف قيمتها السوقية منذ بدء العام قبل الارتداد الاسبوع الماضي وذلك بأسباب عديده منها تحديات تتعلق بالتكاليف والتي اتت اعلى من التوقعات خلال الفترة الماضية وايضا انعكاسات سياسة التعريفات على النتائج وعوامل اخرى هيكلية تتعلق بهذه الشركة العملاقة والتي تشكل الوزن الاكبر في مؤشر الداو ككل. لا يمكنني التفكير في احد المستثمرين المعروفين غير بيركشاير لانتهاز هذه الفرصة ، المغرية والمعقدة في وقت واحد.
مخاوف الركود التضخمي تعود إلى الواجهة
من الناحية الهيكلية، كان ملاحظ مؤخراً عودة الحديث عن احتمالية دخول الاقتصاد الأميركي في مرحلة ركود تضخمي. أظهر مسح حديث لبنك أوف أميركا أن أكثر من 70% من المستثمرين يتوقعون هذا السيناريو بنمو اقل من الترند وارتفاع التضخم خلال الاثني عشر شهرًا المقبلة، وهو ما يعيد تشكيل النظرة الاستثمارية للأصول. لا اعتقد ان هذا الاستطلاع وحده يعطي الصورة الكاملة للمعنويات فبالتأكيد العديد من العوامل الايجابية دفعت الاسواق الى المستويات الحالية والقياسية ولكن لا يمكن إغفال المخاطر العامة الحاضرة في البيئة الكلية من جانب ادارة المخاطر – لذلك ستجد محللي المخاطر غالباً غير محبوبين عند المستويات القياسية.
الدولار والعوائد تحت المجهر
حافظ الدولار على استقراره، حيث تم تداول مؤشر الدولار DXY حول مستوى 98، في حين ارتفعت عوائد السندات الأميركية لأجل 10 سنوات قليلًا إلى 4.34%. هذه الحركات الهادئة تعكس ترقب الأسواق وعدم استعدادها للتحرك قبل خطاب باول وايضاً سندات ال30 عام الى اعلى من مستويات 4.93%. هذا التحرك يعطي نوع من الثقة في استقرار الاسواق والتزامن مع انخفاض مؤشر التذبذب VIX الى مستويات 15 اي ان التداولات في حد ذاتها تعطني نظرة مستقبلية قريبة الاجل بأن التقلب السريع اقل ترجيح خلال الفترة القادمة مقارنة ببداية الشهر الحالي.
بالنظر الى الامام
رغم أن الجلسة الماضية بدت هادئة على السطح، إلا أن التحولات في مراكز المستثمرين تشير إلى حالة انتظار تسبق تحول. فالأسواق لم تُسعّر بعد سيناريو واحد بشكل حاسم، سواء نحو تيسير نقدي إضافي، أو نحو مواجهة تحديات تضخمية أكثر عنادًا. لا يوجد بيانات اقتصادية من الدرجة الاولى اليوم ولكن سيتم مشاهدة بيانات رخص بناء المنازل الجديدة في الولايات المتحدة وايضاً بيانات مؤشر اسعار المستهلك في كندا التي تشير الى استقرار نسبي مرتقب.
لا تُمثل Pepperstone أن المواد المقدمة هنا دقيقة أو حديثة أو كاملة، وبالتالي لا ينبغي الاعتماد عليها على هذا النحو. البيانات، سواء كانت من جهة ثالثة أو غيرها، لا يجب اعتبارها توصية؛ أو عرض لشراء أو بيع؛ أو دعوة لعرض لشراء أو بيع أي أمان، منتج مالي أو صك؛ أو المشاركة في أي استراتيجية تداول معينة. لا تأخذ في الاعتبار الوضع المالي للقراء أو أهداف الاستثمار الخاصة بهم. ننصح أي قارئ لهذا المحتوى بطلب نصيحته الخاصة. بدون موافقة Pepperstone، لا يُسمح بإعادة إنتاج أو إعادة توزيع هذه المعلومات.