إعادة تقييم المخاطر بعد مراجعات الوظائف الأميركية
التشكيك في البيانات وقدرتنا على تسعير المخاطر بكفاءة
تؤكد نتيجة تقرير الوظائف الأميركي مجددًا أهمية حجم العينة الإحصائية وفعاليتها، خصوصًا في ظل التراجع الهيكلي في معدلات الاستجابة الذي يتجاوز عقدًا من الزمن. يشكّك كثيرون أيضًا في المنهجية المستخدمة لجمع البيانات، إذ تبدو متزايدة الانفصال عن التطورات التكنولوجية الراهنة. قد يُعَدّ قرار ترامب بإقالة رئيس مكتب إحصاءات العمل (BLS) تصرّفًا ارتجاليًا في نظر البعض، لكنه يعكس مخاوف حول موثوقية البيانات ، ليس فقط بيانات الوظائف بل العديد من المؤشرات الأخرى التي يستند إليها الاحتياطي الفيدرالي في رسم سياسته ، وهو ما يجعل مهمة تسعير المخاطر وقراءة الاقتصاد شديدة التعقيد على اللاعبين في الأسواق.
يوم الجمعة أعاد إلى أذهان الأسواق خطر الذيل الأيسر (مخاطر التباطؤ) في معدلات النمو، وذلك في وقت تتوقع فيه الإجماعات أن يرتفع مؤشر نفقات الاستهلاك الشخصي الأساسي إلى 3.2 % بحلول الربع الرابع. التقرير التالي للوظائف غير الزراعية سيصدر في 5 سبتمبر، ومن البديهي أن يتركز قدر هائل من الاهتمام واتخاذ المراكز حول هذا التاريخ. بل إن البعض قد يبدأ في مناقشة احتمال خفض الفائدة بمقدار 50 نقطة أساس في اجتماع الفيدرالي لشهر سبتمبر ، وهو سيناريو يستلزم سلسلة متتالية من البيانات الاقتصادية السلبية في المدى القصير، وسيتطلب على الأرجح قراءة أقل بكثير من المتوقع لمؤشر التضخم الأساسي في تقرير أسعار المستهلكين المرتقب في 12 أغسطس.
أسواق المخاطر: أزمة تبحث عن محفّز
داخل مجتمع الاستثمار، كان هناك من ينظر إلى أسواق المخاطر - مثل مؤشر S&P500 - على أنها أزمة وشيكة بانتظار محفّز. لكن الارتفاع التدريجي المستمر في مؤشري S&P500 وناسداك 100، وسط انخفاض شديد في التقلبات المحققة، دفع كثيرين إلى مطاردة السوق صعودًا بدلًا من الانعكاس. ورغم أن سوق الخزانة الأميركي أرسل إشارة قوية يوم الجمعة، إلا أنني لست مقتنعًا بأن لدينا بالفعل ذلك المحفّز بعد.
ومع ذلك، من الواقعي أن نشهد تحوّلًا في بناء المحافظ نحو استراتيجيات أكثر دفاعية، مع زيادة تدفقات التحوط وارتفاع الميل في خيارات الأصول المتنوعة، مما قد يرفع التقلبات ويدفع صناديق الاستراتيجيات الديناميكية للتقلب وصناديق توازن المخاطر إلى خفض تعرضها للأسهم.
أما فئة الشراء عند الانخفاض، فلن تغيّر نظرتها التكتيكية، وستبحث عن نقاط دخول جديدة لدعم المراكز. ومع ذلك، هناك أسباب للاعتقاد بأن مؤشر S&P500 قد يتراجع بنسبة إضافية تتراوح بين 3 و5% من المستويات الحالية ، فبينما شهد النظام تراكمًا قويًا في الرافعة المالية، نعلم أيضًا أن المتداولين وصناديق الاستثمار تكدّست في مراكز بيع التقلب، ما جعل متعاملي الخيارات يحتفظون بتعرض كبير في “Gamma” الطويلة. بالتالي، أي تراجع إضافي في الأسهم سيدفعهم إلى إعادة ضبط مراكزهم تبعًا لذلك. وفي هذه الحالة، قد تقوم صناديق التداول الخوارزمي (CTAs) بتقليص مراكزها الطويلة إذا انخفضت عقود مؤشرات الأسهم الأميركية الآجلة دون مستويات الاستحقاق المحددة لديها.
مشكلة أخرى في منهج تفكير الأسواق هي أنه رغم وضوح مستويات الرسوم الجمركية التي يفرضها ترامب، فإن هناك قناعة قوية بأن التزامات الاستثمار الضخمة التي تعهّد بها عدد من الاقتصادات الكبرى تفتقر إلى إطار عمل متين وشفاف، وقد يُنظر إليها مع مرور الوقت بالطريقة نفسها التي نُظر بها إلى تعهّد الصين بشراء سلع أميركية بقيمة 200 مليار دولار في اتفاق المرحلة الأولى لعام 2022، وهو تعهّد لم يُنفَّذ فعليًا.
قد يقدّم سوق السندات الأميركية عالية العائد (HY) دليلاً أوضح على كيفية تأثير نظام الرسوم الجمركية والتطورات الاقتصادية في الهوامش وربحية الشركات الأميركية ذات الجودة المتدنية. فإذا رأى السوق أن لديه الآن ما يكفي من وضوح ليتصرف، فقد تصبح فروق العائد في السندات العالية العائد عاملًا مؤثرًا أكبر في عوائد الأسهم، وربما أيضًا في حركة الدولار الأميركي والذهب.
السيولة تحت المجهر
يمكننا كذلك أخذ التأثيرات الموسمية السلبية على المخاطر في الحسبان، مع دخولنا فترة الصيف في نصف الكرة الشمالي خلال أغسطس. فالسيولة المتناقصة في دفاتر الأوامر قد تتزامن مع انخفاض محتمل في السيولة النظامية، ما يشكّل رياحًا معاكسة إضافية للأصول ذات المخاطر، ولا سيّما مع بدء وزارة الخزانة الأميركية رسميًا في إعادة بناء رصيد حساب الخزانة العام (TGA) بما يُفضي إلى سحب يفوق 400 مليار دولار من الاحتياطيات. وكما جرت العادة، يبقى السعر هو المشتق الأول هنا: أي هبوط في مؤشر S&P500 (نقدًا أو عقودًا) سيغذي مزيدًا من البيع، في حين يدفع ارتفاع التقلبات إلى تدفقات لإعادة التمركز.
وبما أن كثيرين يحتفظون بمراكز أسهم قصوى، فإن تقليص بعض الرهانات يبدو حذرًا؛ فالإغلاق دَون مستوى 6241 بعقود S&P500 الآجلة وبحجم تداول مرتفع سيؤكد هذا السيناريو، الأمر الذي من شأنه تسريع التراجع قصير الأجل، لتتفوق القطاعات الدفاعية (المرافق والعوامل منخفضة التقلب)، بينما تتراجع الأسهم ذات الجودة المتدنية ومرتفعة نسب البيع على المكشوف، وربما أيضًا الشركات الصغيرة الأميركية.
في اسواق الدخل الثابت ، سيُعَدّ كسر حاجز 3 % في عقود SOFR الآجلة (الأشهر البعيدة ) إشارة مهمة إلى أن متداولي الفائدة في الولايات المتحدة يسعّرون احتمال ركود أعلى يُقدَّر حاليًا بـ 15–20 %. وإذا حدث ذلك، قد يدفع الذهب إلى قمم جديدة ويدخله في نمط صعودي متواصل. في الوقت الراهن، يبدو أن البيانات الأميركية المنتظرة هذا الأسبوع لن تضيف إلى تصوّر تنامي مخاطر الذيل الأيسر، ويبدو أن مقايضات الفائدة باتت مقوَّمة على نحو منصف، مع تسعير السوق لاحتمال خفض بمقدار 87 % في اجتماع سبتمبر.
ومع ذلك، يواجه الدولار مخاطر هبوطية إضافية في المدى القريب، إذ قد يتجه USDJPY نحو 144–143، وقد يرى EURUSD مستوى 1.1700 مع تحسّن الفروق في العوائد الحقيقية لفترة سنة-الى-سنة بين الولايات المتحدة وأوروبا. كذلك، قد تكون تحركات ترامب غير المتوقعة الأسبوع الماضي قد رفعت طلب مديري الاستثمار الأجانب على التحوّط من تعرضهم للدولار.
لا تُمثل Pepperstone أن المواد المقدمة هنا دقيقة أو حديثة أو كاملة، وبالتالي لا ينبغي الاعتماد عليها على هذا النحو. البيانات، سواء كانت من جهة ثالثة أو غيرها، لا يجب اعتبارها توصية؛ أو عرض لشراء أو بيع؛ أو دعوة لعرض لشراء أو بيع أي أمان، منتج مالي أو صك؛ أو المشاركة في أي استراتيجية تداول معينة. لا تأخذ في الاعتبار الوضع المالي للقراء أو أهداف الاستثمار الخاصة بهم. ننصح أي قارئ لهذا المحتوى بطلب نصيحته الخاصة. بدون موافقة Pepperstone، لا يُسمح بإعادة إنتاج أو إعادة توزيع هذه المعلومات.